GuidePedia

بقلم د. نوف البنيان                     
قرأت في صفحات التاريخ سير أعلام رجال خلقهم الله لقيادة الأمة الإسلامية؛ بمميزات ومهارات تصنع منهم الفارق الأقوى، في زمن المتغيرات المتسارعة. بعيداً عن الأضواء والإعلام، ومجمل وسائل الظهور في الزمن المعاصر، وخلق الفضول لدي عدة تساؤلات مفادها: ماذا صنعوا ليخلد التاريخ أسمائهم؟ ماهي المهارات والشهادات العليا التي امتلكوها؟ كم عدد الساعات التدريبية التي قضوها من أجل الوصول إلى مواقعهم؟ 

فكانت الإجابة تكمن في ثلاثة جوانب:

الجانب الأول: الخوف من الله، والإيمان العميق بمبدأ الاستخلاف على الأرض والاستشعار بالمسؤولية وحفظ الأمانة. 

الجانب الثاني: حسن الخلق المقترن بحسن الظن بالله.

الجانب الثالث: جملة المهارات الفطرية والمكتسبة.

ثلاث جوانب تخلد اسم القائد في التاريخ : - 

أما الجانب الأول: فيجرد القائد من حب الدنيا ويجعل سعيه من أجل الآخرة، فنحن مستخلفون على هذه الأرض لإحيائها وتهيئتها للهدف الأسمى ألا وهو: عبادة الله وحده قال تعالى في محكم كتابه: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [سورة الذاريات: 56]، وفي سياق الكلام عن خليفته في هذه الأرض قال عز وجل: إنِّيْ جَاْعِلٌ فِيْ الأَرْضِ خَلِيفَةً [سورة البقرة:30]، وليست الخلافة مهمة سياسية فحسب، بل هي تكليف معرفي وإنساني واسع. يسعى من خلاله القائد إلى تنفيذ استراتيجية تحقق المصلحة العامة التي تؤمّن للمجتمع الإنساني الاستقرار والأمن النفسي؛ لتتفرغ للهدف الأسمى ألا وهو عبادة الله، وحتى يصل المسؤول إلى هذا المستوى الإيماني في تحقيق الأنموذج الأمثل في قيادته؛ لابد أن يضع نصب عينيه الآخرة ويجعلها همه.

أما حسن الخلق: فهو السحر الذي لايمتلكه كل إنسان، وهو المعنى الذي بحثت عنه البشرية منذ القدم، وحسن الخُلق في الإسلام من أجلّ وأعظم الفضائل، فالحسن هو الجمال في كل مبهج مرغوب فيه، والخلق هو الطبع والسجية لصفات الإنسان الباطنة. وقد عُرّف حسن الخلق في الشرع بأنه: طلاقة الوجه، وبذل المعروف، وكف الأذى عن الناس، هذا مع ما يلازم المسلم من خلق حسن، ومدارة الغضب واحتمال الأذى، فقال عليه الصلاة والسلام:) أكثر ما يدخل الناس الجنة، تقوى اللّه وحسن الخلق) [رواه الترمذي والحاكم]. وهيهات أن نجمع الأثر العظيم والثواب الجزيل لهذه المنقبة المحمودة في هذه السطور. والشاهد أن القائد الخلوق يصل لأهدافه بعشر درجات أسرع من غيره. فالقيادة أخلاق.

أما الجانب الثالث فهو: المهارات الفطرية أو المكتسبة، فمن وجهة نظري القيادة موهبة وفطرة تروى بالتدريب والممارسة؛ إذ أن القيادة تتلخص في ثلاث أمور: علم يكتسب بالتعلم، ومهارات تكتسب بالتدريب والممارسة، وسلوك فطري جبل الشخص عليه؛ لذلك فإن الشخص الذي لديه الاستعداد الفطري للقيادة يلمع أكثر ويتميز أكثر عندما يتم صقل هذه الموهبة بالتدريب والممارسة والتعلم، والله سبحانه وتعالى دعانا لإعمال الفكر بشكل مستمر لكيلا تموت فضائلنا ومميزاتنا. والتأمل والبحث حياة المبدعين.

ولعل صدور الأمر الملكي السامي بترقية د. توفيق الربيعة، وأقول: (ترقية) وليس (تقليد) لكوني عضو في مجتمع تمنى لو يكافئ أمثال هذا القائد الخلوق مكافئة لم ترد في التاريخ، وكانت له؛ ليرأس الوزارة الثالثة باستحقاق.

وفي قراءة متمحصة في شخصية هذا الوزير وسيرته العطرة، كانت ترافقني ابتسامته المشرقة دائماً. مفتاح السلام والأمان لكل من أراد النجاح في مهمته القيادية.

د. توفيق الربيعة شخصية حضارية استطاعت أن تضع بصمتها على صفحات التاريخ بجدارة. شخصية لم تختر الشهرة ولكنها اختارتها، لم تتباهى بالمناصب ولكن المناصب تباهت بها. 

والحقيقة إن القيادة الرشيدة بعثت رسالة عامة لقطار المنتظرين من أبناء وبنات الوطن الذين يسعون لمثل هذه المواقع القيادية … مفادها: أن أسس المفاضلة في اختيار القادة؛ والمقترنه برؤية ٢٠٣٠ هي مخافة الله فيما بين يديك من أمانة، وحسن أخلاقك في السر والعلن. والقدرة على إدارة موقعك في زمن الأزمات بكفاءة عالية، وهذه الرسالة منهج لابد أن يدرس لأجيال اليوم.

فهي قاعدة مؤطرة، تصنع قادة ذوي مهارات عالية ستخلد أسمائهم كتب التاريخ.

جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كاتبها 

 
Top