GuidePedia

 بقلم/ د. نوف بنت بندر البنيان
   مررت قبل أشهر ببعض دور الكتب في العاصمة الرياض؛ للبحث عن بعض المصادر والمراجع التاريخية؛ فقد دعتني الحاجة البحثية إلى التنقيب عنها، فلاحظت عشوائية وفوضى عارمة متناثرة تشتت معها الأفكار والرؤى ووحدة الهدف؛ دلت عليه مواقع تلك المكتبات  مقتنياتها الزهيدة، افتقارها للجديد المفيد، جهل البائعين لما بين أيديهم من ثروة علمية، الاستغلال المادي لحاجة الباحثين ؛ وخرجت منها جميعاً بخفي حنين؛ فعمدت إلى قلمي وسطرت هذه المقالة مستوحية من ذاكرة التاريخ ما خلفته لنا الحضارة الإسلامية في العصر الوسيط لمعالجة هذه المشكلة وما تمنيت رؤيته ذلك اليوم . 
   
  لقد شهد تاريخ العواصم الإسلامية في العصر الوسيط ما يعرف (بأسواق النساخين) و(أسواق الوراقة والوراقين)، وكانت هذه الأسواق وجهة الكتاب والقراء وطلاب العلم، بل كانت أحد معايير رقي المدن والعلامة الفارقة بينها؛ والمقياس الحقيقي لأهلية تلك المدن لتميزها كمركز حضاري. يرتاده العلماء وطلاب العلم والقراء، للوقوف على كل جديد في عالم التأليف والترجمة، والاستمتاع بقضاء أوقات لها قيمتها بمشاهدة النساخين والخطاطين ودور المكتبات، فقد اشتهرت بغداد وقرطبة وغيرهما من العواصم الإسلامية بمثل هذه الأسواق، وكانت تجرى العديد من الفعاليات بداخلها من قبل حكام الدولة الإسلامية ، رغبةً منهم في تشجيع العلم والعلماء وطلاب العلم. على مدار أيام السنة، بشكل مستمر، في مظهر حضاري يستحق التأمل . ويدفعنا للمقارنة بينها وبين دور الكتب والمكتبات اليوم  مما لاشك فيه أن دور الكتب منهل من مناهل العلم التي لا تنضب؛ فماذا لو كانت تلك الدور مجتمعه في  سوق خاص يتم فيه البيع والنسخ والتبادل الثقافي؛ وهذا بدوره سيمكن طالب العلم من الحصول على غايته بطريقة حضارية، وما من شك أن ذلك له عدة نتائج ايجابية نذكر منها:
- توفير الوقت والجهد لطالب العلم ومحبي القراءة.
- حصر أكبر عدد من الكتب العلمية  في تخصص معين في مكان واحد؛ إذ بعد الخصخصة ستحرص كل مكتبة على اقتناء الجديد في ذلك التخصص؛ بل ربما يتطور الأمر ليصبح هناك تبادل ثقافي على المستوى الدولي بين أصحاب تلك الدور ونظائرها في دول العالم .
- قطع الطريق على من يتخذ من الكتب مجالاً للتلاعب التجاري. ومنع استغلال أصحاب القرطاسيات من التلاعب في أسعار الكتب أو بيعها؛ فالقرطاسية لها مبيعاتها الخاصة؛ إذ ليس من اختصاصها بيع الكتب العلمية .
- ستكون مركز لاجتماع العلماء وطلاب العلم مما يضفي على المكان أجواء علمية من شأنها التحفيز على البحث والقراءة والاطلاع .
- الفكرة في جوهرها تعد مظهر حضاري عالي المستوى لأي مدينة تحرص على تنفيذ ها.
  وأخيراً... لا سبيل لنا نحو الرقي والتمدن بدون اجتياز بوابة الاطلاع على ثقافة الآخر والاستزادة من نبع المعرفة، فحري بنا أن نهتم بمصادرها، وتهيئة السبل المؤدية إليها. فهل من مجيب؟
 
                                                                                                جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كاتبها
‏         
 
Top