GuidePedia

بِقَلَم أ. طَارِقِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي 

فِي يَوْمِ مِنْ أَيَّامِ سَنتِنَا الهجرية مِنْ عَامٍ أَرْبَعَ مِئَةِ وَوَاحِدٌ وَأَرْبَعُونَ مِنْ أَلْفِ ، تَحَدّثَت نَفْسِي مَع عَقْلِيٌّ فِي عُدَّة أُمُور تُفِيد النَّفْس الْبَشَرِيَّة فِي حياتيها الدُّنْيَوِيَّة لَقَد طَال الْحَدِيثِ بَيْنَهُمْ لِفَتْرَة زمنية خَيالِيَّةٌ وَمِنْ ثَمَّ تَوَقَّفْت نَفْسِي قليلاً لَتَسْأَل عَقْلِيٌّ سُؤَالاً حَيَّرَهَا وحير كُلُّ نَفْسٍ يهمها هَذَا السُّؤَالِ ، قَالَت لعقلي يَا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيَّ هَلْ لِي أَنْ أَسْأَلَك ســــؤالًا جَعَلَنِي فِي حَيْـــــــرَةٍ مِنْ أَمْــــــرِي فَرَدَّ عَلَيْهَا الْعَقْلُ وَقَال أسألي ولا تَقْلَقِي وَلَكِنْ إذَا أخبرتكِ بِإِجَابَتِي أَرْجُوك أَنْ لَا تَرَكَنِي إلَيْهَا بَلْ تحركي مِن مَكَانَك هَذَا وأسألي عقولاً عَاشَت قَبْلِي بِسَنَوَات كَبِيرَةٌ فِي هَذِهِ الْحَيَاةَ.
فَقَالَتْ نَفْسِي وَالْعَجَلَة تَقْتُلْهَا أجبني عَن سُؤَالِي وَلَا تكترث بِالْبَاقِي وسؤالي لَكَ هُوَ لِمَاذَا لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَتَوَقَّفُ عَنِ إطْلَاقِ الْأَحْكَام السَّيِّئَة عَلَى الْآخَرِينَ ؟ ، وَلِمَاذَا نَحْكُم عَلَى الْآخَرِينَ مِنْ أَوَّلِ مَرَّةٍ ؟
فَقَال عَقْلِيٌّ لَهَا إجابتي عَلَى سُؤَالَك يَا مَنْ قَتَلَتْهَا الْعَجَلَة هِيَ أَنْ الْجِنْسَ البَشَرِيِّ فِي بِدَايَةِ أَمَرَهُم يَحْكُمُون عَل الظَّاهِرِ دُونَ أَنْ يَعْرِفُوا الْبَاطِن يَرَوْن تَصَرُّفَاتُ مَنْ هُمْ أمَامُهُم دُونَ أَنْ يَعْرِفُوا مَا الَّذِي دَفْعِهِم إلَى فِعْلِهَا ويميلون إلَى التَّهَوُّرِ وَالْعَجَلَة وبالتالي يُخْسِرُون الْكَثِيرِ مِنْ الْأَشْخَاص فِي حَيَاتِهِمْ ويُضيعون الْكَثِيرِ مِنْ الفُرَص مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ مِنْ خِلَالِ تفسيراتهم السَّيِّئَة والخاطئة وَمَع مُرُور الْوَقْت يُدْرِكُون حماقتهم وسذاجتهم ، وَإِن السَّبِيلُ إلَى تَرْكِ هَذِهِ الْعَادَةِ يَكُونُ بِتَقْدِيم الظَّنّ الْحَسَنِ عَلَى السَّيئ وبتهذيب النَّفْس وتدريبها عَلَى التَّأَنِّي وَعَدَم الْعَجَلَة وَالْتِمَاس الْعُذْر لِلْآخَرِين وَالْعَفْوِ وَالصَّفْحِ عَنْهُم وتحلي بِالْأَخْلَاق الْحَسَنَة فَرُبَّمَا هُنَالِك ظُرُوف قَاهِرَة أجبرتهم عَلَى أَنَّ يَظْهَرُوا أمامكِ بِهَذِهِ الصُّورَةِ الَّتِي لَا تُنَالُ عَلَى أستحسانكِ ، وَلَا تُنْسِي أَن تنظري للزاوية الَّتِي يَنْظُرُ بِهَا أَيْ شخص تلتقين بِهِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةَ حَتَّى تتفهمي ردَّات الفِعْل الَّتي تَصْدُر منه وتَلْتَمِسِي لَهُ الأَعْذَار .
يَا نَفْسُ هَذَا جَوَابِي عَلَى أسئلتك وَاكْتُفِي بِهَذَا الْجَوَابِ وَلَكِنْ لَا تَكْتَفِي بِإِجَابَتِي كَمَا أخبرتكُ فِي السَّابِقِ بَلْ قُومي و فتشي عَن إجابات أُخْرَى مِنْ عُقُول شاخت فِي هَذَا الزَّمَانِ وَيَفْضُل أَنْ تَكُونَ عقولًا ذَات حُكْمُه وَبَصِيرَة وَعَلَّمَ وَعَمِلَ وذَاتَ رُقِيّ وأَخْلاق
واعلمي جيدًا بِأَن خَلْفَ كُلِّ كَلِمَةٍ قُلْتهَا لِكَي مَعَانِي عَمِيقَةٌ جداً تَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ ، مَعَانِي تُخَاطَب الْعَقْل وَالْعَاطِفَة وأترككِ يَا نَفْسُ الْآن لِكَي تتأملي مَا أخبرتكِ بِه ، سأغيب لِفَتْرَة فَلَا تقلقي عليّ نهائياً فَإِنِّي لَنْ أُطيل الْغُيَّاب عنكِ بَل سأعود إليكِ بَيْن الفَنِّيَّة وَالْأُخْرَى كَي أَطْمَئِن عليكِ ، وَأَرَى هَلْ كَانَتْ كلماتي مُفِيدَةٌ لكِ ؟ وَهَل تغيرتي لِلْأَفْضَل ؟ أَوْ هَلْ بحثتي عَنْ إجَابَةِ أَفْضَلُ مِنْ إجابتي ؟
وَقَدْ حَانَ الْآن وَقْت الْوَدَاع فالوداع الْوَدَاع الْوَدَاع يا نَفساَ أرَى فِيهَا الخَيْر كُلَه وأتمنى عِنْدَمَا نتلقي ببعضنا الْبَعْضِ فِي الْمَرَّات القَادِمَة أراكِ مهذبةً وَأَجْمَل بِكَثِيرٍ مِنْ السَّابِقِ ودمتي يَا نَفْسُ فِي حِفْظِ الرَّحْمَن وَرِعَايَتِه .

جميع المقالات تمثل رأي كاتبها 
 
Top